أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي - وديع السرغيني - عودة لمسألة التحالفات، وعلاقتها ب-اليسراوية-















المزيد.....



عودة لمسألة التحالفات، وعلاقتها ب-اليسراوية-


وديع السرغيني

الحوار المتمدن-العدد: 3533 - 2011 / 11 / 1 - 07:59
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي
    


عودة لمسألة التحالفات، وعلاقتها بـ"اليسراوية"

تقديم:
بالرغم من المسارات الخاطئة التي اتخذتها بعض النقاشات، والتي تهرب أبطالها بشكل منحط ومقيت من ميدان المقارعة النظرية والفكرية، راكبين متن السباب والتشهير و"المؤامرة" التي تستهدفهم من "الأصدقاء والأعداء والخصوم"، إنقاذا وتحصينا لمواقعهم ومواقفهم الضعيفة.. بالرغم من هذا سنستمر في النقاش مع رفاق الطريق الذين انخرطوا في المناظرة من زاوية أخرى وبمنهجية أخرى، اعتمدت في نظرنا، على التجريد، والإسقاط، ومواقف ما بين البينين، يعني مواقف ضد هذا وذاك وهؤلاء..الخ
فللقضية راهنيتها وأهميتها، والحال أن النقاش ما زال مفتوحا ومحموما، بشتى أشكاله وطرقه حول الموضوع، أي حول مسألة تدبير التحالفات السياسية والطبقية، في سياق المعارك والصراعات والحراك الطبقي الجاري حاليا في الساحة المغربية بالذات.

ملاحظة منهجية
في نظرنا، وبما يمليه علينا التزامنا الطبقي كتيار عمالي ماركسي لينيني، وكما عوٌدنا القراء وفق اجتهاداتنا المتواضعة، وقبل التيه في أي نقاش، يجب إرجاع المسألة دائما إلى خلفيتها وعمقها الطبقيين من زاوية نظر مادية ديالكتيكية وتاريخية، تراعي التطورات المجتمعية ومصالح الطبقة العاملة التاكتيكية والإستراتيجية التي لا تغفل في شيء قضايا ومصالح عموم الكادحين والمهمشين المغاربة.
وتبعا لهذه الرؤيا، نعتبر أن كل قضايا العمل السياسي، من خطط وتاكتيكات وتحالفات ومبادرات ميدانية.. قابلة للتعديل والمراجعة من منطلقات ماركسية ثابتة، تحث على عدم التنازل والتراجع قيد أنملة، في المسائل النظرية، يعني الاشتراكية العلمية بوصفها نظرية الحركة العمالية وبرنامجها، النظرية التي نجحت في اكتشاف قوانين تطور الرأسمالية كاقتصاد وكنمط إنتاج، ونجحت في التفسير بدقة لطبيعة العبودية المأجورة ومصدرها، مشيرة على القوة الاجتماعية الوحيدة القادرة على إنقاذ الكادحين من البؤس والاستبداد والاستغلال والعمل المأجور، الطبقة العاملة، من بين جميع الطبقات المضطهدة والمظلومة القادرة على خلاص المجتمع، وعلى خلق مجتمع جديد ينعم فيه المنتجون بالحرية والكرامة والمساواة.
فما زالت حركة الاحتجاج المتأججة ببلادنا، عديمة الصلة بالطبقة العاملة، وما زالت المركزيات النقابية عاجزة عن استيعاب واستقطاب جيوش العمال والعاملات، المُهملة بالمناطق الصناعية، والمكبـٌلة بقوانين الشغل الطبقية الخطيرة، وبعقود العمل المؤقتة..الخ
ما زالت التيارات العمالية أو من تنسب نفسها للحركة الماركسية اللينينية، عاجزة هي الأخرى عن مد الجسور وتحقيق الارتباط بالطلائع العمالية المناضلة، وتداري ضعفها الفكري والسياسي والتنظيمي والميداني والعددي.. بممارسات ومواقف وشعارات لا تزيد سوى من تأليب الأحقاد والانشقاقات والعدوانيات.. تجاه رفاق الطريق المخالفين، من الثوريين، وبعض الديمقراطيين التقدميين المبدئيين.. ممارسات تؤثر إلى هذا الحد أو ذاك على مسار حركتنا النضالية، ولا يستثنى منها أحد بمن فيهم صاحب هذه المقالة المتواضعة ورفاقه.
وفق هذه المعطيات، لا بد من الأخذ بعين الاعتبار، كون الأفكار المتصارعة الآن، لا تعدو أن تكون سوى اتجاهات فكرية لمجموعات وتيارات مناضلة صغيرة، حتى لا نقول ضعيفة من حيث كمٌها وعطاءها وتأثيرها على مسار الحركة الاحتجاجية الجارية الآن، أو على حركة الطبقة العاملة، بما يُطوٌر من وعي طلائعها، حتى تمسك بيدها القيادة لجيش الكادحين المنتفض ضد الظلم والطغيان والتهميش والاستبداد.
فبدون هذا الوعي الذي يجب أن يجد تجسيده في التنسيق السياسي بين مكونات الحركة العمالية، قبل الكلام عن أي تحالف مع قوى أخرى خارج هذا الاهتمام وهذا الانتماء، كمرحلة أولية في اتجاه بناء التنظيم السياسي، المنظمة أو الحزب الماركسي اللينيني، وهو شرط لا بد منه لتوفير القيادة النظرية والسياسية، التي ستنير الطريق لكل الجماهير الكادحة والمهمشة في المدن والبوادي والأرياف، في نضالها من أجل قلب حكم البرجوازية والقضاء على الرأسمالية كأصل ومنبع لجميع الشرور التي ابتليت بها جماهير شعبنا والبشرية جمعاء.
ومن منطلقاتنا كتيار عمالي اشتراكي مؤمن بالرسالة التاريخية للطبقة العاملة، ومقتنع أشد الاقتناع بأن جميع الثورات التي لا تشارك فيها الطبقة العاملة من موقع القيادة، فمآلها لن يكون أبعد من إصلاح طفيف لشكل الحكم القائم ولن يأتي بتغيير ملموس في واقع الجماهير الشعبية الكادحة، وعلى الأخص العمال، وفقراء ومعدمي الفلاحين، وصغار التجار والحرفيين والموظفين، والعاطلين، والسكان المهمشين في أقصى البوادي وفي ضواحي المدن..الخ وعلى هذا، نعتبر أنه بدون هذا الوعي التنسيقي والوحدوي بين مكونات اليسار الماركسي اللينيني، لن تتقدم الحركة الاشتراكية في نضالها وستبقى مرهونة بالعفوية والانتظارية وردود الأفعال المدمرة.

بخصوص بعض المفاهيم
أولى هذه المفاهيم التي استعملت في النقاش، والتي توجهت بالنقد القدحي لبعض التيارات الماركسية اللينينية التي فضٌلت عدم المشاركة في حركة 20 فبراير لأسباب مختلفة، معتبرة إيٌاها "يسراوية" وانعزالية و"ثورية جدا"..الخ
وغني عن التوضيح، بأن جميع الماركسيين اللينينيين المعنيين، بالرغم من قلتهم، يشاركون الجماهير احتجاجاتها، في صفوف الطلبة والمعطلين وشباب الأحياء الشعبية بالمدن والبوادي وداخل القلع المنجمية.. بل تجدهم في غالبيتهم يبادرون لتنظيم وتأطير هذه الاحتجاجات، لكن بطرق وأشكال منفصلة عن حركة 20 فبراير التي تلقى التأييد، رغم كل هذا، من غالبية التيارات الماركسية اللينينية.
يهمنا ضمن هذه المفاهيم، وبالدرجة الأولى مفهوم اليسراوية الذي استعمل بشكل مشوه، في غير محله ولغير غرضه. توصيف استهلك بشكل كبير ضد التطرف وضد المناضلين الصامدين والمبدئيين ليس خلال اللحظة الحالية وفقط، بل منذ المراجعات الأولى التي قادتها "منظمة 23 مارس" أواخر السبعينات، في اتجاه اليمين، لتبرير تراجعاتها وانهزاميتها بعد أن تبنت النهج الإصلاحي و"الوحدة الوطنية" مع النظام، دفاعا عن "الوحدة الترابية" و"المسلسل الديمقراطي" و"السلم الاجتماعي" مفضلة المشاركة السياسية عبر الانخراط في الانتخابات والمؤسسات..الخ
في هذا السياق لم يجد منظرو المنظمة التحريفيين، من بد للركوب على النصوص اللينينية، وحروب البلاشفة ضد الخط "الاقتصادوي" اللاهث بطريقة ذيلية وراء البرجوازية، باعتبارها الطبقة المؤهلة لخوض غمار الصراع السياسي الديمقراطي، وما على الطبقة العاملة سوى الاكتفاء بنضالاتها المطلبية الاقتصادية ضد أرباب العمل، وفقط.
حينها كانت منظمة "23 مارس" تنتقد الميدانية المفرطة، مهاجمة الطلائع الشبابية الماركسية اللينينية في الحقلين الطلابي والتلاميذي، التي أبانت وتميزت بكفاحية عالية واستعداد نضالي غير مسبوق.
في نفس الوقت رفعت المنظمة عقيرتها ضد ما أسمته بـ"اليسراوية" و"الصبيانية" و"المراهقة السياسية" و"الفوضوية".. بدعوى أن الشباب الثوري، حينها، لا يفهم في التاكتيك، وفي دور التحالفات السياسية، ودور النضال المؤسساتي، يعني البرلمان كواجهة للصراع، ولا يميز بين التناقض الرئيسي والثانوي، وبين النضال النقابي والسياسي، وبين المنظمة الجماهيرية والحزب السياسي..الخ
مع بداية التسعينات، بعد انهيار تجربة البناء الاشتراكي، انتصبت فكرة التجميع في صفوف بقايا و"متقاعدي" الحركة الماركسية اللينينية، من أجل بناء منتديات للنضال اليساري، لا تتميز في شيء عن باقي الأحزاب التقليدية التي تتكلم باسم اليسار الاشتراكي.. وعلى نفس النهج، واعتمادا على نفس المراجع "ما العمل؟" و"مرض اليسارية الشيوعية الصبياني" اتجهت جميع الأصوات والتيارات، مهاجمة المناضلين الرافضين للفكرة والدعوة، بدعوى التطرف، وهو تطرف لا علاقة له بالتطرف اليساري الشيوعي العمالي كما هو معني في صراعات لينين والبلاشفة، كذلك الشأن بالنسبة لأنصار التجميع الذين ليست لهم أية علاقة بالحركة اليسارية العمالية ـ يمكن في هذا الصدد، الرجوع للعديد من الأرضيات والمقالات الصحفية والمجلات للإطلاع على الأفكار والمداخلات التي كان يتم الترويج لها باسم اليسار الجديد ـ "المواطن"، "حرية المواطن"، "الميدان"، "اليسار الديمقراطي"، "النهج الديمقراطي"..الخ
ومن أجل هذه المهمة الإيديولوجية، يتم استغلال سوء وضعف التكوين والإلمام بالتجربة البلشفية في هذا المجال، وسط الشباب الماركسي اللينيني في الجامعات، والذي لا تصله سوى أبجدية وفتات التراث الماركسي اللينيني المختزلة في شعارات وجمل وبعض النصوص والمقالات.. لينتصر التزوير والتأويل، ويتيسر بالتالي الهجوم على الماركسية اللينينية من طرف مخالفيها من التروتسكيين والستالينيين والماويين والفوضويين والرفضويين..الخ وكان لا بد، بالرغم من هذه الظروف، أن يستمر الصراع مفتوحا على هذا المستوى ولحد الآن، دفاعا عن المرجعية اللينينية وعن التجربة البلشفية العمالية، من التشويه.
وفي هذا السياق، وبالنظر لواجبنا وأحقيتنا في انتقاد "اليسراوية" من المنظور الماركسي اللينيني قبل أي كان، نحاول التوضيح والتذكير بالموقف الماركسي من الظاهرة، من جهة، وفتح النقاش مع جميع التيارات الشبابية التي تنسب نفسها للماركسية، ضدا على بعض الكتابات التي تتجه لإدانتهم وتخوينهم وعزل نضالاتهم..الخ

في نضال الخط اللينيني ضد "اليسراوية"
ناضل التيار العمالي الثوري الاشتراكي بقيادة لينين ضد العديد من التيارات اليمينية واليسارية في صفوف الحركة الاشتراكية، وداخل الحركة العمالية.
وحين نقول الحركة العمالية، نعني بها حركة العمال المنظمين وغير المنظمين، أي مجموع الأحزاب والنقابات والنوادي والجمعيات، والتيارات والتكتلات.. المعنية بالنضال في سبيل الاشتراكية، وفي سبيل دك سيطرة الرأسمال دكٌا تاما، وفي سبيل تحرير جميع الشغيلة والكادحين من أي استغلال.
لقد واجه الماركسيون الذين يومنون بالفكر المادي الطبقي، وبالمهمة التاريخية المنوطة بالطبقة العاملة، جميع الأصناف والتيارات، الإصلاحية الانتهازية والثورية البرجوازية الصغيرة.. واجهوا الشعبوية، والاقتصادوية، والتآمرية الإرهابية، والفوضوية واليسراوية الشيوعية.. داخل حركة الطبقة العاملة، على مدى سنوات وعقود، دون كلل، ودون هوادة أو تراجع.
برزت "اليسراوية" كخط انتهازي داخل حركة الطبقة العاملة الروسية مباشرة بعد هزيمة ثورة 1905، قبل أن تتوسع رقعتها بعد نجاح ثورة 1917، في العديد من البلدان الأوربية كألمانيا وهولندا وإيطاليا وإنجلترا..الخ
وقد انبثقت بداية من صلب البلاشفة ممثلي الخط البروليتاري اللينيني داخل الحركة العمالية الاشتراكية الروسية، كرد فعل على هزيمة الثورة، وعلى خطوات الثورة المضادة كنتيجة لهذه الهزيمة، بحيث نادت الأصوات اليسراوية بالانسحاب من جميع المؤسسات والمنظمات العلنية، ورفضوا الاشتراك في البرلمان والنقابات والمنظمات الاجتماعية العمالية، الجماهيرية العلنية والشبه العلنية، ونادوا بالاكتفاء بالعمل السياسي السري.
حينها اعترف البلاشفة بهويتهم، ونظموا التراجع بأقل الخسارات وبأقل الانقسامات، واستأنفوا عملهم الثوري وفق تاكتيكات صحيحة مشهود لها داخل صفوف الحركة العمالية العالمية، عرفت كيف تجمع بين العمل السري والعلني، بين العمل غير المشروع وبين "الإمكانيات الشرعية"..الخ
في هذا السياق نمت البلشفية وصلب عودها ضد جميع الأعداء داخل حركة الطبقة العاملة بالذات، وليس في الأوساط الجماهيرية الشعبية، وفي صفوف الشعب.
وبالرغم من نجاعة الخط اللينيني وبراعته في إدارة الصراع الطبقي في جميع الظروف التي تلت الهزيمة، أي منذ انطلاق هذا الصراع الداخلي إلى حدود ثورتي 1917 الأولى والثانية.. عززت اليسراوية صفوفها وانتشرت كالنار في الهشيم داخل الحركة العمالية والشيوعية متخذة من انتصار الثورة الروسية مبررا لتسرعها وتهورها، بالدعوة للانسحاب مرة ثانية من البرلمانات والاتحادات والنقابات العمالية والمنظمات الجماهيرية العلنية..الخ دون أن يتجهوا بالنقد للبلشفية، بل اعتبروا مواقفهم وممارساتهم من صلب البلشفية ودعما لتجربتها الثورية.
حينها نهض جميع اليساريين بقيادة اليساريين الألمان، ينادون ويرفعون نفس الشعارات التي تلت ثورة فبراير 1917، من قبيل العمل على إنشاء السوفييتات وإعطاءها السلطة كلها، وإقامة دكتاتورية البروليتاريا.. دون تمحيص للشروط الذاتية والموضوعية لكل بلد على حدة، خلال ظروف نوعية كانت معروفة ومتميزة بالحرب الإمبريالية الأولى، وباختلاف أوضاع كل بلد من هذه الحرب، حيث انتشرت تيارات انتهازية أخرى داخل الحركة العمالية العالمية، تحت راية الاشتراكية الشوفينية الوطنية والاشتراكية الإمبريالية.. دفاعا عن مصالح البرجوازية ومختلف الإمبرياليات، باسم الدفاع عن الوطن.
زادت الطين بلٌة وأججت الصراع، الخطوة التصالحية بين دولة العمال الاشتراكية السوفياتية وبين الإمبريالية الألمانية لإيقاف الحرب بين الدولتين، في إطار مساومة وتنازل بيٌن من الدولة السوفياتية في إطار ما عرف بصلح بريست- ليتوفسك.
يجب علينا أن نخرج من النقابات! ويجب علينا أن نرفض العمل فيها! ويجب علينا خلق أشكال جديدة للتنظيم العمالي! ويجب علينا مقاطعة البرلمان! ويجب علينا رفض المساومات والتحالفات السياسية! هذه مجمل صيحات الحركة اليسراوية داخل حركة الطبقة العاملة والحركة الشيوعية حينها.

علاقة الصراع بما يجري في المغرب من حراك
إذا كانت "اليسراوية" كما حددها لينين، نوعا من الأمراض الصبيانية، الحماسية، الاندفاعية، الانبهارية..الخ التي يمكن أن تصيب الحركة العمالية البروليتارية، وهو ما يفسٌر أن التحذير كان دائما موجـٌها لمكونات الحركة العمالية الاشتراكية وليس لجهة أخرى، على اعتبار أن الصراع كان حينها مرتبطا بأشكال النضال وبالخطط التي دأبت الحركة العمالية على استعمالها بفنية عالية.
ذكرنا منها الجمع بين الأشكال الشرعية وغير الشرعية، السرية والعلنية، السلمية والعنيفة، الاشتراك في البرلمانات مهما بلغت من عفونة ورجعية، واستغلالها كواجهة للنضال والفضح والتشهير بأنظمة الاستبداد والاستغلال، الانخراط في الجمعيات والنوادي والنقابات، العمالية، ولو كانت قيادتها رجعية ومساومة ومتكالبة على حقوق العمال والعاملات، القبول ببعض المساومات السياسية المشروطة، ورفض شعار "لا مساومة"، أو اتخاذه قاعدة لجميع الحالات، نهج تاكتيك التحالفات مع قوى سياسية تقدمية، بورجوازية أو بورجوازية صغيرة، مناهضة لنظام الحكم المطلق ولجميع أشكال الحكم الاستبدادية.
فأين نحن من هذه الشعارات وهذه الاتجاهات في تجربتنا المغربية؟ وهل من مبرر لإخراجها من الأدراج واستعمالها ارتباطا بحركة العشرين من فبراير وخلافاتها؟
يستعمل مصطلح "اليسراوية" عادة ومنذ أواخر السبعينات، بمضمون قدحي، بررت به بعض الأصوات اليسارية التي ذكرنا البعض من نماذجها، إصلاحيتها وتراجعاتها وانحرافاتها.
ومن نفس الزاوية ورث حزب "النهج الديمقراطي" الطريقة نفسها لمهاجمة جميع المنتقدين الذين يعارضون ويخالفون الاتجاه العام الذي سلكه كحزب إصلاحي تراجع وانحرف عن المهمات الثورية التي طرحها قياديوه لحظة انتماءهم لمنظمة "إلى الأمام" الثورية، وبشكل خاص فيما يتعلق بالتحالفات مع أطراف سياسية معادية للاشتراكية وللديمقراطية.
بعض الاتجاهات البرجوازية الصغيرة، ببلادنا، والتي تمثل أو تستعير بعضا من الأطروحات الماوية بنسختها الثورية جندت هي الأخرى أقلامها للهجوم على كل من اختار موقفا مخالفا لشعارات حركة 20 فبراير، أو كل من انتقد أو ابتعد عن المشاركة في مسالكها وأشكالها الاحتجاجية والتوافقية.
وكان طبيعيا أن يتخذ الهجوم هذا الشكل، وهذه الطريقة المدعمة بنصوص وتوجيهات وتحذيرات لينينية عمالية لا محل لها داخل فضاء حركة 20 فبراير.. مخافة الاتهام بالتحريفية أو الطرد من "ملة" الماركسية اللينينية.
فإلى جانب بعض الأقلام المسعورة، المنتمية "للنهج الديمقراطي" التي تفتح نيرانها كيفما اتفق، بسبب أو بدونه، ضد جميع التيارات اليسارية الثورية.. ركب الرفاق الماويين هذه الموجة، ضد رفاق سابقين لهم، وضد رفاق طريق آخرين، بما لا حجة لديهم فيه.
فلا التيارات المناهضة "لليسراوية" عمالية، ولا المعنيين بالنقد والقدح والتجريح عماليين. وفق تقديراتنا الموضوعية والنسبية، فهي تيارات ومجموعات وحساسيات.. لا أحد ينكر، سوى متقاعدو "إلى الأمام"، ميدانيتها ونضاليتها وتضحياتها السخية في ميادين عملها المحدودة، ولا أدل عن ذلك الملاحقات والاعتقالات الجارية في صفوفها لحظة كتابة هذه السطور، مجموعات تدعي كلها الانتماء والتبني للماركسية اللينينية، لكنها تعاني من ضعف الارتباط بالحركة العمالية وبمنظماتها النقابية، هي عبارة عن حركة مناضلة، جذرية، يسارية، لها بعض الارتباط بحركة الشباب في مجال الحركة الطلابية داخل بعض الجامعات المحدودة، وبحركة المعطلين خريجي الجامعات، وبحركة المناهضة للغلاء، وببعض النقابات الخاصة بالموظفين، في قطاعات محدودة.. ليبقى هذا الارتباط في غالبه بدون تصور يحكمه وبدون خط سياسي أو برنامج يوجهه.
وكان من الأجدى والأجدر، في نظرنا، عوض النقاش النظري المجرد والمهزوز، أو التراشق بتهم ونعوتات لا أساس لها، أن يتجه عمل هذه التيارات، في هذه الظروف المتميزة بهذا الحراك الشعبي الذي تعرفه بلادنا، نحو التنسيق الوحدوي حول البرامج وخطط العمل الضرورية، لتطوير الأداء ولإرجاع الثقة الجماهيرية لمشروع اليسار.. والحال أن جميع هذه التيارات تتبنى مشروع "الثورة الوطنية الديمقراطية الشعبية" وفق الصياغة السبعينية لمنظمة "إلى الأمام"، وبما يخدم مصالح الكادحين وجميع الطبقات "الوطنية والديمقراطية والشعبية".. ومع ذلك يظل عملها انفراديا مزاجيا، يرفض التنسيق ويخافه، بل يتحاشى التضامن أحيانا، ويشمئز مصافحة رفاق الطريق المخالفين، في بعض الحالات!!
فلا يوجد أي مبرر معقول لاستمرار الحواجز الوهمية بين مكونات هذا اليسار، الحائلة دون التنسيق حول مهام وداخل قطاعات لا توجد بها خلافات قوية وجوهرية فيما يرتبط بالأداء والميدان.
على سبيل المثال لا الحصر، وجب تطوير التنسيق الطلابي التقدمي داخل الجامعة وإزالة الحشمة على بعض خطواته التي انطلقت بفاس ومراكش في السنتين الأخيرتين، العمل على بناء خط كفاحي داخل حركة المعطلين يقطع مع جميع الأساليب الانتهازية في تصوره للنضال داخل هذه الحركة المطالبة بالشغل، المساهمة الوحدوية في تقوية الحركة المناهضة للغلاء، وتشجيع الانخراط في نضالاتها مع الحفاظ على طابعها التقدمي بعيدا عن التصورات الكمية للحركات، فتح النقاش حول أهمية البناء لخط نقابي يساري متميز بطموحاته العمالية الهادفة إلى استقطاب العمال للنقابات وتنظيمهم وتأطيرهم نظريا وسياسيا من أجل خوض النضال الاشتراكي للقضاء على الاستبداد والاستغلال الرأسماليين، المساهمة في خلق وبناء إطارات عمل للحركة الشبابية والنسائية.. وفق تصور ومبادئ تقدمية وديمقراطية..الخ
وعلى الرغم من انخراطنا في هذا الحوار والنقاش الرفاقي الديمقراطي حول مفاهيم من هذا الحجم والقوة، فإننا نحاول قدر الإمكان إسقاط هذه النقاشات من مستواها المجرد إلى مستوى واقعنا الحي، الملموس، المليء بالمشاكل والمعيقات.. حيث نأمل من النقاشات أن تلامس واقعنا وتعترف بأحجامنا الحقيقية وبمواقعنا المتخلفة والهامشية، لكي تكون الخلاصات موضوعية ومتوافقة مع إمكانياتنا.. على ألا ننفخ كثيرا في الكلام والأسماء والأرقام.. وألا نتحدث عن الشيوعيين إلاٌ إذا تواجدوا فعلا كقوة سياسية وفكرية فاعلة، وعن الماركسيين اللينينيين إلاٌ إذا غيروا وجهتهم نحو المعامل والمصانع والضيعات الكبرى والمناجم، عوض ساحات الكليات ومقاصفها.. وألاٌ نطنب في الكلام حول أهمية وضرورة حزب الطبقة العاملة دون الشروع في أية خطوة عملية نحو بناءه.. عوض هذا نستبق الأحداث ونتكلم عن أمراض كـ"اليسراوية" ومرضى مفترضين داخل الحركة لم تعلن بعد عن اشتراكيتها وشيوعيتها ورغبتها في الارتباط والاعتماد على الطبقة العاملة من أجل الوصول لإستراتيجيتها الثورية.
فمنذ البيان الشيوعي تكلم ماركس وإنجلس عن الشيوعيين كأحد فصائل الأحزاب العمالية العالمية، وميٌزهم عن الجماهير العمالية عامة، بهدفهم الذي لا يختلف في الجوهر عن جميع الأحزاب البروليتارية الأخرى "تشكل البروليتاريا في طبقة، الإطاحة بسيطرة البرجوازية واستيلاء البروليتاريا على السلطة السياسية"، ومنذ ذلك العهد تميزت الماركسية باعتبارها "نظرية الحركة العمالية وبرنامجها في جميع البلدان المتمدنة في العالم" هي الاشتراكية العلمية منذ تلك اللحظة، لأنها صارعت ونازعت الاشتراكيات الأخرى، كالاشتراكية البرجوازية الصغيرة والاشتراكية الفلاحية.. كاشتراكيات حالمات، خياليات، غير قابلة للتطبيق أو ممكن تطبيقها في أماكن خيالية "طوبيا"، لا وجود لها في الواقع.
بهذا نعتبر أن النقاش المفتوح الآن وسط الحركة الثورية والماركسية اللينينية غير ناضج، لأنه يوحي بأوضاع غير التي هي موجودة في الواقع، نقاش ينبني على معطيات مغلوطة وأحجام مبالغ فيها، وهو سلوك يعطل عملية التطوير والتصحيح لمسار الحركة الثورية المغربية.. منزلق لم نسلم منه نحن كذلك، حين تكلمنا في العديد من مقالاتنا عن التيارات والفرق والمجموعات، ففي هذا التصنيف مبالغة، لأن القليل والقليل جدا من هاته التعبيرات، من ترقى لمستوى التيار الذي يفترض فيه أن يمتلك التصور، والبرنامج، والخط السياسي، والأهداف الواضحة لما يريده ويناضل من أجله.. وهو ما يفسر بجلاء تخبطها الميداني، وتجريبيتها القصوى، وتبريريتها لكل خطواتها، وكيفما كانت نتائجها.
ارتباطا بما يجري في المغرب من حراك اجتماعي، برزت ثلاثة توجهات أساسية داخل المنتسبين للحركة الماركسية اللينينية المغربية، توجه أول ارتأى الانخراط في حركة 20 فبراير دون تحفظ، مع العمل من داخل مجالسها ولجنها ومؤسساتها الموازية، توجه ثاني يدعم الحركة بتحفظ، انطلاقا من وعيه بجماهيريتها ومشروعية الغالبية من شعاراتها، لكنه أسس لنضالات موازية في نفس الاتجاه دون الإقدام على أية خطوة تنسيقية مع القوى الظلامية، والفاشية، وتوجه ثالث يرفض ويعارض الاتجاهين، يتهمه البعض بالانعزالية والارتكان، لكنه موجود في بعض مواقع الاحتجاج.
يعلم الجميع أنه فيما يتعلق بالاحتجاج الشعبي المناضل، يلزم المناضلون الماركسيون اللينينيون الاشتراك والانخراط في جميع الاحتجاجات ذات المطالب المشروعة والعادلة بعيدا عن أية حسابات سياسية أو مذهبية ضيقة، ولن نستحق هذه الهوية إلا بالقول "إذا لم ندرك أن من واجبنا أن نستفيد من جميع مظاهر الاستياء على اختلافها، أن نجمع وأن ندرس جميع بذور الاحتجاج ولو كان في حالة جنينية".. وهذا لا يعني الهرولة وراء أي احتجاج، والحال أن الاحتجاجات في المغرب كثيرة ومتنوعة، وقد اختارت الرجعية في بلادنا، هي الأخرى، أسلوب الانخراط والإغراق والتمييع لحركة 20 فبراير، قبل أن تعتمد أسلوب الاحتجاج الموازي و"البلطجي"، عبر تجنيد أقطاب الحركة الصوفية وأئمة وخطباء المساجد وحركة أعوان السلطة "المقدمين والشيوخ"، وبعض الزعماء "السلفيين" التائبين..الخ

حول مسألة التحالفات السياسية داخل حركة 20 فبراير الاحتجاجية
أحد الرفاق، الناطق الرسمي باسم التيار الماوي في المغرب، فتح النقاش والصراع ضد أحد مكونات حركة 20 فبراير، حزب "النهج الديمقراطي" المحسوب على الحركة اليسارية، الذي انخرط جبهويا ـ عكس الماويين الذين لم يوضحوا شكل انخراطهم لحد الآن ـ ومنذ البداية في هذه الحركة وفي جميع أجهزتها الرسمية والموازية، مستندا على تحالفه مع جماعة "العدل والإحسان" الظلامية والرجعية، كنواة أو كعمود فقري لهذه "الجبهة الوطنية المتحدة" والمعارضة لنظام الاستبداد القائم في هذا البلد، مراهنا في نفس الوقت على تقوية موقعه في هذه الجبهة على تحالف "اليسار الديمقراطي" المكون من أحزاب "الطليعة الديمقراطي ـ الاشتراكي" و"الاشتراكي الموحد" و"المؤتمر الاتحادي" من جهة، وعلى مجموعات اليسار الراديكالي ـ التروتسكيون والماويون ومجموعات البرنامج المرحلي الطلابي بمعية خريجيها ـ.
خلال هذا النقاش، احتد الصراع حول مسألة التحالفات وجدواها مع القوى الفاشية والظلامية، داخل حركة جماهيرية تطالب بالتغيير والقضاء على الرشوة والفساد والاستبداد.
وكان لا بد من أن يتطور النقاش من الدفاع عن وجهة نظر الماوية في ما يخص التحالفات السياسية والجبهوية، وهو ما تتبناه الماوية بوضوح.. إلى ما يسمى بمحاربة الساحرات، أي مناهضة المقاطعين لهذه الحركة بتهمة اليسراوية، بأن استنجد فيها الرفيق، وبالتواء بيٌن عن مرجعيته، بالنصوص اللينينية وبالصراع الذي قاده لينين ضد اليسراوية الشيوعية العالمية.
ناقشت اللينينية كخط عمالي، الاتجاهات اليسراوية داخل الحركة العمالية، والتي سبق أن أوضحنا البعض من تصوراتها في هذا المقال ومقالات أخرى، حيث لم يسبق للماركسية أن ناقشت أو انخرطت في أي شكل من أشكال التحالف مع قوى ظلامية أو رجعية، بل ناقشت وألزمت أتباعها ومناضليها بالعمل داخل الإطارات الأكثر إغراقا في الرجعية، ولكن باستقلالية تامة، كمدافعين عن مصالح الطبقة العاملة وحلفاءها من الكادحين والمضطهدين والمهمشين والمحرومين..الخ في إطار تحالفات سياسية مع ممثلي الديمقراطية البرجوازية وتيارات البرجوازية الصغيرة الثورية الناشطة في المدن أو في الأرياف.
كانت الإطارات المعنية بالنقاش هي البرلمان، وهو إطار رجعي بطبيعة الحال، يقاطعه في المغرب الماركسيون وغير الماركسيون، الثوريون وبعض الإصلاحيين، بدوافع، في غالبيتها، غير ماركسية وغير عمالية، وهو نقاش وموضوع آخر.. ثم المنظمات النقابية والاتحادات الجماهيرية، ونوادي وجمعيات العمال.. التي يمكن في فترة من الفترات، بل جل الفترات، أن تقودها وتتحكم في مسارها تيارات إصلاحية، بيروقراطية، انتهازية، رجعية..الخ
على مستوى التحالفات، حددت اللينينية تصورها للنضال داخل المجتمع قبل تحديد التحالفات، عكس ما تفعله بعض الأصوات المتشدقة بالماركسية والتحليل العملي وأشياء أخرى، بل إن هذا التصور الشمولي والدقيق هو الذي أملى عليها شكل ومضمون التحالفات والتوافقات والتنسيقات.. انطلاقا من عمل سياسي واعي ومنظم، بمعنى العمل المبني على التحليل الشامل للمجتمع وأوضاع طبقاته المختلفة والمتباينة المصالح، يعني مَن مِن الطبقات والفئات، له مصلحة في استمرار الوضع القائم، ومن لا مصلحة له من الطبقات الشعبية في بقاء النظام، يعني الطبقات المستعدة للانخراط في جميع أشكال النضال والتضحية في سبيل ثورة اجتماعية، تطيح بالسلطة السياسية القائمة على حكم البرجوازية، وإقامة نظام ومجتمع جديد يقطع مع الاستبداد والاستغلال وكل أشكال التمييز الطبقية والجنسية والعرقية والعقائدية..الخ

التحالفات مبدأ ماركسي لينيني ثابت
وهو من صميم هويتهم وتصورهم للتغيير، وخلال لحظة تاريخية معينة، كان الماركسيون الثوريون يسمون أنفسهم بالاشتراكيين الديمقراطيين دون فصل تعسفي في مراحل النضال، وحددوا مهمتهم ونشاطهم العملي على هذا الشكل:
قيادة نضال البروليتاريا الطبقي وتنظيم هذا النضال بمظهريه الاشتراكي والديمقراطي، 1. الاشتراكي ويعني النضال ضد طبقة الرأسماليين بالنضال الذي يرمي إلى القضاء على نظام الطبقات وتنظيم المجتمع الاشتراكي، 2. الديمقراطي ويعني النضال ضد الحكم المطلق، النضال الذي يرمي إلى الظفر بالحرية السياسية وإشاعة الديمقراطية في نظام البلد، السياسي، والاجتماعي.
خلال كفاحهم هذا، أي النضال على هذا المستويين الغير منفصلين الاشتراكي والديمقراطي، يتوجب على الماركسيين عقد تحالفات سياسية طبقية، تختلف في أشكالها ومضامينها حسب كل مستوى، وكل مرحلة، وكل بلد.
كيف تأتي لهم ذلك؟ وكيف نجحوا في قطع المراحل، دون السقوط في المرحلية الميكانيكية، التي تريد فصل المرحلة الديمقراطية عن المرحلة الاشتراكية، وفق نظرية تعاقب المراحل؟
كان عملهم موجه بالأساس للطبقة العاملة الصناعية، منتجة فائض القيمة وأرباح الرأسماليين، ويعتمد في أساسه على الدعاية لتعاليم الاشتراكية العلمية، ونشر قيم المفاهيم الصحيحة بين العمال عن النظام الرأسمالي كنظام اقتصادي واجتماعي، عن أسسه ونشأته وتطوره، وعن مختلف طبقاته المجتمعية، وعن العلاقات فيما بينها، ونضال وصراع هذه الطبقات فيما بينها دفاعا عن مصالحها، وعن دور الطبقة العاملة في هذا النضال بما هي طليعة للثورة والتغيير، صاحبة رسالة تاريخية تؤهلها دون غيرها، لقيادة جميع الطبقات التي تستغلها وتضطهدها الرأسمالية وحكمها، في اتجاه القضاء على هذا النظام.
وفق هذه الرؤية وهذا المنهج، يتوجب على جميع الماركسيين اللينينيين المغاربة، أن يأخذوا على عاتقهم مهمة الدعاية للأفكار الديمقراطية ولمهام النضال الديمقراطي الجذري بين جماهير العمال وفي الأوساط الشعبية الكادحة، عبر تشهيرهم وبمضمون طبقي واضح، بكل مظاهر الاستبداد والحكم البوليسي المطلق، التي يجب القضاء عليها عبر القضاء على أسبابها ومسبباتها، مع العمل على الحفاظ على هذا الترابط الجدلي بين النضالين والتحريضين الاقتصادي والسياسي، في صفوف الطبقة العاملة باعتبارها طبقة متميزة في مصالحها، وفي وضعها القيادي والطلائعي، وبألاٌ ينسى الرفاق الماركسيون هذا التمييز، حتى لا ينزلق بهم نسيانهم هذا نحو الخطبة الشعبوية التي تتكلم عن "الأصدقاء والأعداء" و"الأخيار والأشرار".. عوض الطبقات ومصالحها البينة والمتميزة، وفق نظرية "إخضاع النضال الطبقي لصالح النضال الوطني"، وهو المستنقع الذي لم تسقط فيه البلشفية وعلى طول تجربتها، بما فيها لحظات الحروب الصعبة، أي الحرب العالمية الأولى التي عاصرها لينين.
وفي خضم نضال الاشتراكيين الثوريين، الماركسيين اللينينيين المغاربة، يتوجب عليهم، التزاما بهذه الهوية الكفاحية، أن يوجهوا كل قواهم نحو العمل وسط عمال المعامل والمصانع، وشركات الخدمات، المنتشرة بشكل كبير في بلادنا، والمناجم، والضيعات الكبرى، والأوراش الضخمة.. دون إغفال للفئات المضطهدة الأخرى من طلبة، ومعطلين، وحرفيين، وباعة متجولين، وصغار المستخدمين والموظفين، وصغار الفلاحين، والمياومين، وربات وخادمات البيوت..الخ من أجل نشر فكرهم الاشتراكي ومشروعهم المجتمعي، على أوسع نطاق، وفق تصور يعترف بإمكانية التحالف مع سائر الفئات الثورية حيث "لا يمكن ولا يجب أن يؤول التحالف إلى مساومات أو إلى تنازلات في حقل النظرية والبرنامج والراية"

في الصراع ضد "اليسراوية"، ومن زاوية النظر الماوية
طبعا، ليست "اليسراوية" المعنية، نفسها التي تكلمنا عنها سابقا، يعني أنه وكما أشرنا، أن هناك "يسراوية" و"يسراوية"، يسراوية بالمفهوم الماركسي اللينيني و"يسراوية" بالمفهوم الماوي، وشتان بين المفهومين والخطين والمنهجين.
فعلى طول التجربة الماوية الثورية، أي من خلال تجربة الحزب الشيوعي الصيني لحظة تربع ماو تسي تونغ على قيادته، لم يشكل الارتباط والتجدر وسط الطبقة العاملة الصينية، مهمة مركزية للحزب، أو قضية مبدئية ذات اهتمام أولي، ولم تطرح الاشتراكية على جدول أعماله، بل تحولت المهمات الثورية إلى مهمات طرد الاستعمار الياباني والقضاء على حلفاءه المحليين من داخل طبقة اجتماعية تشبه الإقطاع، كأولويات لا تقبل الجدل أو التأجيل.
عدا هذا فتحت "جبهة الطبقات الأربعة" ذراعيها لجميع الأخيار، ذلك الاختراع الستاليني الغريب، الذي يرمي بالنضال الطبقي إلى البحر، والذي حوله وطوره ماو إلى "الجبهة الوطنية المتحدة" موسعا فضاءها لكل من هبٌ معاديا الاستعمار، ومستقطبا إليها جميع "المتنورين" حسب إحدى تعبيراته، من البرجوازية الكبرى وأغنياء الفلاحين والإقطاعيين والكمبرادوريين..الخ
فعلى هذا الأساس، وهذا التصور، وهذا الالتزام الجبهوي.. صنٌفت الماوية مخالفيها داخل الحزب كيسراويين متياسرين، وحتى لا يتهمنا أحد بالتجني والافتراء، بأن يقال مثلا، أن ظروف النضال ضد المستعمر تقتضي هكذا تحالفات مؤقتة، وقابلة للتغيير من أشكالها بعد كل قفزة داخل المسار النضالي التحرري الذي يمكن أن يخوضه أي شعب من الشعوب.
وبما أننا نبتغيه نقاشا رفاقيا، ديمقراطيا وهادئا، نجيب ونذكر، بأن التحالفات وكما أوضحنا في الفقرات السابقة، ضرورية في كل لحظة، بل إن الماركسيين يومنون منذ بيانهم الأول وإعلان مبادئهم في بيانهم الشيوعي، بعد أن رسـٌختها وأنضجتها مختلف التجارب العمالية، وبدرجة أولى تجربة الماركسيين الثوريين الروس حين كانت الحاجة لعقد تحالفات محددة في ظل أوضاع محددة، تميزت بالحكم الاستبدادي المطلق "فيما يتعلق بعلاقات الطبقة العاملة في كفاحها ضد الحكم المطلق، مع جميع فئات وطبقات المعارضة السياسية الأخرى في المجتمع، فإن هذه العلاقات إنما تحددها بدقة كاملة، المبادئ الأساسية للاشتراكية-الديمقراطية، المعروضة في "بيان الحزب الشيوعي" الشهير".
هكذا أشار لينين على رفاقه، بواجب وضرورة التحالف، لكن وفق الشروط التي سبق وأن حددها بيان الشيوعيين، الأساسي، بمعنى أن جميع الشيوعيين، الماركسيين اللينينيين والمغاربة منهم "يؤيدون طبقات المجتمع التقدمية ضد الطبقات الرجعية، والبرجوازية ضد ممثلي الملكية العقارية المغلقة وذات الامتيازات، وضد سلك الموظفين، يؤيدون البرجوازية الكبيرة ضد الأطماع الرجعية للبرجوازية الصغيرة. وهذا التأييد لا يفترض ولا يتطلب أية مساومة مع البرامج والمبادئ غير الاشتراكية-الديمقراطية: فهو تأييد حليف ضد عدو معين".
بعد هذا التحديد، سنحاول إجراء مقارنة بين التوجيهات الماركسية اللينينية، والتوجيهات الماوية في مسألة التحالفات وكيف تمت ترجمتها في الميدان العملي وفي عدة واجهات. لم يكن الخلاف داخل الحركة الشيوعية الصينية، حول النقابات والمنظمات الجماهيرية والبرلمان ـ إحداثه، مقاطعته أو الالتحاق به ـ باعتبارها خلافات تهم بشكل موضوعي ومباشر، الحركة العمالية، عكس التجربة الماوية التي اتجهت نحو البادية، مغادرة المدن ومناطقها الصناعية، عملا ورهانا على نسج علاقاتها مع الفلاحين باختلاف طبقاتهم وفئاتهم، ومشكلة جيشا عسكريا استهدف الاستعمار الياباني وعملائه المحليين، وفق منهج "إخضاع النضال الطبقي للنضال الوطني".
بمعنى، كيف تعاملت الماوية مع الخلافات في الأوساط الشعبية؟ وبأية طريقة حاولت الحفاظ على مصالح العمال والكادحين الفقراء من الفلاحين؟
اعتمادا على ما أشارت إليه الماوية لحظة قيادتها للمقاومة ضد اليابان، سنحاول في سياق هذا النقاش والتوضيح لمواقف الماوية من التحالفات واليسراوية، إعطاء بعض الاتجاهات في سياستها وفق تصورها التحرري الوطني، ليتمكن الرفاق الماركسيين من المقارنة بينها وبين اتجاهات الفكر الاشتراكي العمالي، الماركسي اللينيني.
في سياسة الشغل يقول ماو "يجب تحسين ظروف معيشة العمال، وبهذا فقط يمكننا إلهاب حماستهم في مقاومة اليابان. ولكنه يجب أن نحترس من الوقوع في النزعة "اليسارية"، فلا يجوز تجاوز الحد المناسب سواء في زيادة الرواتب والأجور أو تخفيض ساعات العمل" لا حظوا أن مجرد المطالبة ببعض الحقوق البسيطة كالزيادة في الأجور أو تخفيض ساعات العمل، اعتدٌه ماو نزعة "يسارية"، فما بالك بشعارات المصادرة ونزع الملكية والتأميم.. التي لا يختلف عليها اشتراكيو العالم كله؟
يضيف ماو أنه "ينبغي للعمال، بعد أن يتعاقدوا مع الرأسماليين، أن يراعوا نظام العمل، كما ينبغي السماح للرأسماليين بتحصيل بعض الأرباح، وإلاٌ فالمصانع ستغلق أبوابها، الأمر الذي يضر بقضية مقاومة اليابان بالعمال أنفسهم أيضا. أما العمال في الأرياف فلا يجوز لهم بصورة خاصة أن يرفع مستوى معيشتهم وأجورهم أكثر مما ينبغي، وإلاٌ فسيتسبب ذلك في معارضة الفلاحين، وحدوث البطالة بين العمال، وانخفاض الإنتاج" بمعنى أن على العامل الزراعي أن يضحي أكثر من رفيقه العامل بمصانع المدن، بأن تكون أجرته أقل ويوم عمله أطول، وألاٌ يطالب بالتحسين في أوضاعه، ففي ذلك خراب الفلاحين الأعزاء!
وغني عن البيان أن اللينينية قدمت، منذ زمان، مهمة الاشتراكيين الثوريين الحقيقية على الشكل التالي: "المهمة التي لا تقوم على اختلاق المشاريع لإعادة بناء المجتمع، ولا في وعظ الرأسماليين وأذنابهم بتحسين أوضاع العمال، ولا في حبك المؤامرات. بل في تنظيم نضال البروليتاريا الطبقي وقيادة هذا النضال الذي هدفه النهائي هو ظفر البروليتاريا بالسلطة السياسية وتنظيم المجتمع الاشتراكي"
بالنسبة لسياسة الأرض وموقفه من ملكيتها، يقول ماو "يجب أن تقضي بأن يقوم ملاك الأراضي بتخفيض إيجارات الأراضي وفوائد الديون.. وبأن يدفع الفلاحون إيجارات الأراضي وفوائد الديون، وبأن يحتفظ ملاك الأراضي بملكيتهم في الأراضي والأموال"
وغني عن القول أن الماركسيين اللينينيين، أنصار الطبقة العاملة، وقضيتها، ومشروعها التحرري الاشتراكي، لا يومنون بهكذا مبادئ وتوجيهات، بل يومنون "بأن العمال الثوريين هم وحدهم الذين يستطيعون إذا ما دعمهم الفلاحون الفقراء، أن يحطموا مقاومة الرأسماليين ويقودوا الشعب إلى انتزاع الأرض بغير تعويض، إلى الحرية الكاملة، إلى الانتصار على المجاعة والحروب، إلى تحقيق السلم العادل والوطيد"
وعلى نفس المنوال وعلاقة بالإصلاح الزراعي، انتقدت الماوية بحدة وشراسة ما اعتبرته "انحرافا يساريا" في صفوف الشيوعيين الصينيين، وطالب ماو تصحيح أخطائهم على الطريقة التالية: "فبدل أن تروج فكرة وجوب اتحاد البروليتاريا مع جميع الشغيلة ومع جميع المظلومين: البرجوازية الوطنية والمثقفون والوطنيون الآخرون (بمن فيهم الإقطاعيون المستنيرون الذين لا يعارضون الإصلاح الزراعي)، لقلب سيطرة الاستعمار والإقطاعية والرأسمالية البيروقراطية ولإقامة جمهورية صين شعبية وحكومة ديمقراطية شعبية، قامت، أي الاتجاهات اليسارية المعنية، دون أن تأتي مطلقا على ذكر الفلاحين والحرفيين وشغيلة فرديين آخرين والبرجوازية الوطنية والمثقفين بدعاية وحيدة الجانب تزعم أن على الفلاحين الفقراء والأجراء الزراعيين أن يستولوا على الأنهار والجبال ويسودوها" أو أن الحكومة الديمقراطية يجب أن تكون حكومة فلاحين فحسب أو ألاٌ تصغي إلاٌ إلى العمال والفلاحين الفقراء والأجراء الزراعيين. إن هذا خطأ مبدئي خطير"
فلا مجال، وفق الأفكار الماوية، بأن يحلم فقراء الفلاحين والعمال الزراعيين، بديمقراطية خاصة بهم، توفر لهم السيادة والتحكم في منابع الخيرات بالبادية، الأنهار والجبال، لأن هذا مبدأ خطير وانحراف يساري، حسب ماو، لا يعترف بفكرة وجوب اتحاد البروليتاريا مع الجميع، من أجل ماذا؟ من أجل الحفاظ على نفس الأوضاع الطبقية المختلة، المقدسة للمِلكية والعبودية والعمل المأجور..الخ
فإياكم أن تنهجوا المصادرة ونزع المِلكية لمصلحة الديمقراطية الجديدة، ديمقراطية الشغيلة المنتجة.. هذه وصفة ماو لمعالجة الانحراف "يجب ألاٌ يمنح الملاكون العقاريون والفلاحون الأغنياء قطع أرض وممتلكات تفوق ما يمنح لجماهير الفلاحين.. ولكن ينبغي ألاٌ يكرر خطأ السياسة اليسارية المتطرفة التي طبقت في الأعوام 31/1934: "لا أرض للملاكين العقاريين وأرض جدباء للفلاحين الأغنياء"
اختلاف جذري في الرؤية والاهتمام، بين رؤية الماركسيين اللينينيين الطبقية الواضحة، من جهة، وبين الرؤية الماوية التي قلما تكلمت عن المصالح الاجتماعية أو الثورة الاجتماعية وخط البناء خلال مختلف مراحل البناء الاشتراكي والمجتمع الجديد بدون طبقات..الخ
وهاكم نموذج آخر من تصور ماو للتعامل مع أوضاع الطبقة العاملة "علينا أن نرفض بجميع الوسائل ونهائيا، العودة إلى التصرفات المغلوطة لليسار المتطرف والتي اتبعها جزئيا تجاه البرجوازية الصغيرة في الفترة ما بين 31/1934، فعوض أن ندعو إلى إعلاء مستوى ظروف العمل مما يعني الرفع من التكلفة، والضرائب المرتفعة على الدخل، وأن يصبح هدفنا الوحيد والجامد هو سعادة العامل، علينا أن نحدد أهدافنا في تطوير الإنتاج وتطوير الاقتصاد وتوحيد المصالح العمومية والخاصة، والربح للعمل والرأسمال".
هذه شذرات من تصور الماوية "لليسارية المتطرفة" المخلة في نظرها، بمنطق التحالفات وبمصالح الطبقات، بما هي أخطاء فادحة وخطيرة في نظر الماوية التي أبانت من خلال هذه التوجيهات والانتقادات، على نظرتها للتغيير وللتعبير عن مصالح الطبقات الكادحة وبشكل خاص عن مصالح الطبقة العاملة.
فإذا كان الماركسيون وجميع الاشتراكيين والشيوعيين، ينشدون "سعادة" العامل والكادح والفلاح الفقير والبشرية جمعاء، من خلال نضالهم وكفاحهم المستميت، من أجل القضاء على الربح والرأسمال والمجتمع الطبقي.. فالماوية تدافع بجلاء عن الربح والرأسمال، من التكلفة العالية والضرائب المرتفعة، من أجل تطوير الإنتاج والاقتصاد وتعميق بؤس العمال.
وبنفس الالتزام تدافع كما أسلفنا، عن الملاك وأغنياء الفلاحين، بألاٌ تمس ممتلكاتهم، أو تصادر، أو تستبدل بقطع أقل إنتاجية أو أقل مساحة، وعدا هذا التصور، تطرف يساري وأخطاء فادحة.
بديهي جدا أن أفكار من هذه الشاكلة لا تمت بصلة للماركسية أو الشيوعية، بما فيها شيوعية برودون، وبديهي جدا أن الماوية عارضت بشكل جذري الاجتهادات الماركسية واللينينية فيما يخص الإصلاح الزراعي والبرنامج البلشفي المقدم لمعالجة ملكية الأرض وأوضاع المشتغلين بها، بل يمكن أن نقول أن الماوية تخلفت بكثير عن الأطروحات الشعبوية التي كانت تناظرها اللينينية بخصوص قضية الأرض.
بالنسبة "لحقوق الشعب" كما تسميها الماوية، والتي ليست هي الحقوق والحريات الديمقراطية كما حددتها الماركسية وطورتها اللينينية، يقول ماو "يجب اتخاد قرار ينص على أن جميع ملاك الأراضي والرأسماليين الذين لا يعارضون قضية مقاومة اليابان، يتمتعون بما يتمتع به العمال والفلاحون من الحقوق الشخصية وحقوق الملكية والانتخاب وحريات الكلام والاجتماع وتكوين الجمعيات، والمعتقد السياسي والعقيدة الدينية"
عكس التوجيه اللينيني في مسألة التحالفات لحظة التركيز على مهمة الإطاحة بالقيصرية، حين طرح لينين السؤال التالي: "إن مآل الثورة يتوقف على ما يلي: أتقوم الطبقة العاملة بدور المساعد للبرجوازية، مساعد قوي من حيث شدة هجومه على الأوتوقراطية، ولكنه عاجز من الوجهة السياسية، أم أنها ستضطلع بدور القائد للثورة الشعبية؟"
وخلال مجرى هذا النضال، لم يقدس الماركسيون في أية لحظة أي نوع من الديمقراطية، بما فيها "الديمقراطية البرجوازية، التي لا جدال في قيمتها لأجل تربية البروليتاريا وتدريبها للنضال. فهي دائما ضيقة، منافقة، كاذبة، مزيفة، وتبقى دائما ديمقراطية من أجل الأغنياء وخداعا في حق الفقراء. أما الديمقراطية البروليتارية، فإنها تقمع المستثمرين، تقمع البرجوازية. هي لهذا السبب لا تنافق، لا تعدهم بالحرية، والديمقراطية، وتعطي الكادحين الديمقراطية الحقيقية"
قمع المستغلين والمستبدين والبرجوازيين.. وشطبهم من أية انتخابات، وحرمانهم من أية حريات، بل تقديمهم للمحاسبة والمحاكمات.. هذه هي شعارات الماركسيين الثوريين، منذ زمان.
فليس سوى الماركسيون اللينينيون، الذين يومنون بضرورة حزب الطبقة العاملة المتميز والمستقل والمشبع بالروح الطبقية الخالصة "من لا ينسوا أبدا، وفي أي حال من الأحوال حتمية النضال الذي تخوضه البروليتاريا في سبيل الاشتراكية وضد البرجوازية الصغيرة، مهما كانت عليه من نزعة ديمقراطية وجمهورية"، ولن نسقط من حسباننا هذه المبادئ، وهذه التوجيهات، مهما تنوعت الحركات الاحتجاجية، والإطارات الجماهيرية، التي لا يمكن أن تجمعنا مع بعض الحلفاء المؤقتين، لما تحتويه قناعاتنا بأن البروليتاريا تتوقع خلاصها وحريتها وحرية جميع الكادحين والمضطهدين "لا من التهرب من النضال الطبقي، بل من تطويره وتوسيعه، وزيادة الوعي والتنظيم في صلبه".. وهو عكس الاتجاه الذي يبرر به البعض ارتباطه واندفاعه، باسم الماركسية، نحو حركات الفئات الخاصة، كالطلبة والشبيبة والمعطلين.. أو الحركات الشعبية التي يمكنها أن تضم العديد من الفئات والطبقات الشعبية، المختلفة المصالح.. مع الإهمال البيٌن لمصالح الطبقة العاملة ولضرورة حضورها في الحركات، حتى!
فسياسة البروليتاريا وحزبها الطبقي يجب أن تكون طليعة الشعب كله، ولا سيما الفلاحين، من أجل الحرية التامة، من أجل الثورة الديمقراطية المنسجمة، من أجل الجمهورية.
وفي طليعة جميع الشغيلة وجميع الكادحين، من أجل الاشتراكية، في ارتباط لا انفصام في عراه، مناهض ومعارض لنظرية تعاقب المراحل، والجبهات، وأدوات الثورة المتعددة..الخ من الترهات والاختراعات.
فيما يخص السياسة الثقافية والتعليمية، وعكس الشكل الذي انتهجه الماركسيون من أجل نشر تعاليم الاشتراكية العلمية وسط الطبقة العاملة وحلفاءها من الكادحين والمعدمين. يقول ماو في هذا الصدد:
"بأنه يجب أن تتمركز هذه السياسة حول المهارات والمعارف التي تتطلبها أعمال المقاومة ضد اليابان فيما بين الجماهير الشعبية ورفع مستواهم فيها ونشر الشعور بالكرامة القومية بينهم ويجب السماح بمجيء اللبراليين البرجوازيين من مربين وعاملين في ميدان الثقافة وصحفيين وعلماء وخبراء فنـٌيين إلى مناطق قواعدنا ليتعاونوا معنا في إدارة المدارس وإصدار الصحف والقيام بأعمال أخرى"
أما الماركسية فتقول بلسان لينين "بأن كل العلم الرسمي واللبرالي يدافع، بصورة، أو بأخرى، عن العبودية. أن تطلب علما غير متحيز في مجتمع قائم على العبودية المأجورة، لمن السذاجة الصبيانية، كأن تطلب من الصناعيين عدم التحيز في مسألة ما إذا كان يجدر تخفيض أرباح الرأسماليين من أجل زيادة أجرة العمال"
فلا يوجد ما هو أوضح، وأدق، وأكثر مبدئية وإخلاصا لقضايا التحرر السياسي والاقتصادي لمصلحة الطبقة العاملة وعموم الكادحين.. من موقف الماركسيين بهذا الصدد. إذ، وإبٌان صعود البلشفية وتميزها كتيار بروليتاري ماركسي ثوري، كان لا بد من خوض الصراع ضد مجموعة من التيارات الانتهازية داخل الحركة الثورية والعمالية هي الأخرى، وكان الزعيم العمالي الألماني برنشتين يقود التيار الاقتصادوي الانتهازي المعروف بشعار "الحركة كل شيء والهدف النهائي لا شيء"، ومن أجل الحركة كان يشدد على واجب وضرورة التحالف مع تيار اللبراليين كممثل للبرجوازية، وينعت الرافضين اللينينيين بالمتطرفين البلانكيين والمتآمرين..الخ حينها أوضح الخط اللينيني موقفه من التحالفات بأنه "لا يمكن أن يخاف من التحالفات المؤقتة ـ ولو مع أناس لا يركن إليهم ـ إلاٌ الذين لا يثقون بأنفسهم.. ولكن الشرط الذي لا بد منه لهذا التحالف هو أن تتوفر الإمكانية التامة للماركسيين كي يبيٌنوا للطبقة العاملة تناقضها العدائي مع البرجوازية".
وعلى هذا الأساس نتشبث، كماركسيين لينينيين، داخل كل الإطارات الجماهيرية، بهويتنا، ولا نطمسها، ولا نسمح بازدراءها.. لندافع عن الاشتراكية التي نطمح إليها، وعن مصالح الطبقة العاملة المتناقضة مع مصالح البرجوازية، ونشرح ونفسر التناقضات في صفوف الكادحين لنعرٌي ونفضح مصدر شقاءنا، وبؤسنا، وفقرنا، واضطهادنا.. بدون مواربة، ونرفع الرايات، واللافتات، والشعارات المعرٌفة بنا، دون حياء أو استحياء من أحد.
في هذا السياق توجب علينا دائما، أن نضع في حسباننا المبادئ والثوابت النظرية والطبقية المميزة لنا ولهويتنا الماركسية اللينينية، ولا نجد ما أروع من هذا النص الذي قدٌمه لينين بهذه الطريقة "أن يحدد المرء سلوكه تبعا لكل حالة ووضع، أن يتكيف تبعا لأحداث الساعة، لتغيرات الأمور السياسية والطفيفة، أن ينسى مصالح البروليتاريا الجذرية والميزات الجوهرية لمجمل النظام الرأسمالي ولكل التطور الرأسمالي، أن نضحي بهذه المصالح الجذرية من أجل منافع وقتية، فعلية أو مفترضة: تلك هي السياسة التحريفية"
فليس من العيب أن نقول بأن هذه التعاليم والتوجيهات، قد شاخت في إحدى جوانبها أو كلها، ونعلن بجرأة عن اتجاه نظري جديد، أو خلطة جديدة بين الماركسية والماوية والكنفوشية..الخ تقدم آراءها وأفكارها ومفاهيمها، باسمها، ليس حول اليسراوية وفقط، بل حول "الاشتراكية" و"العقائدية" و"المنظمات الجماهيرية" و"الحركة العمالية" و"الوطنية" و"الديمقراطية" و"الشعبية"..الخ وكلها مفاهيم يختلف فيها الرأي بين هذا التيار وذاك، وهذه المجموعة وتلك. العيب أن نتخفى وراء أفكار ومبادئ ليست لنا، نتحصن بها تارة، ونرمي بها على الآخرين تارة أخرى.

تقويما للنقاش وارتباطا بمهام المرحلة
إذا كان هناك من ماركسيين لينينيين، خارج الدائرة التي نعرفها، فواجبهم كما هو واجبنا، هو تعزيز التنسيق والتحالف فيما بينهم أولا وقبل أي شيء، ثانيا انتظامهم في تيار سياسي قوي بأفكاره وبرنامجه ومناعته التنظيمية، ثالثا الانخراط بدون تحفظ في العمل التنسيقي مع مجموع التيارات الأخرى من مكونات الحركة الماركسية اللينينية، رابعا المساهمة في وضع أسس المنظمة الماركسية اللينينية كعصارة لهذا المجهود النضالي الثوري، إعدادا لبناء حزب الطبقة العاملة المستقل، الحزب الثوري الماركسي اللينيني.
آنذاك سيتم النظر للتحالف والأحلاف، من زاوية الحزب الثوري الحقيقي الذي يقبل بالتنازلات والمساومات في حدود ما، وبشروط واضحة وفق التوجيه التالي: "إعلان الامتناع عن كل مساومة أمرا مستحيلا، بل تفرض معرفة الحزب كيف يبقى، عبر جميع المساومات ما دامت محتمة لا مندوحة عنها، مخلصا لمبادئه، لطبقته، لمهمته الثورية، لواجبه، واجب إعداد الثورة وتربية جماهير الشعب من أجل إحراز النصر في الثورة".
وفي سياق هذه الدعوات، وعملا بمضمونها النضالي الوحدوي، نؤكد مرة أخرى عن دعوتنا الجدية، لجميع الرفاق المخلصين لقضايا الطبقة العاملة ومجموع الكادحين المغاربة، بعيدا عن أساليب المغازلة أو التجني المجاني والعدائي في حق التيارات المناضلة المخالفة، كيفما كانت مواقعها، على يميننا أو يسارنا، سيان، المهم هو أن يستمر النقاش الديمقراطي والرفاقي والوحدوي، بين مختلف التيارات الماركسية المناضلة والميدانية، بدون تبخيس لعطاءات وتضحيات بعض التيارات، بالرغم من محدوديتها الميدانية، وتركيزها على بعض القطاعات وفقط.
وفي سياق النقاش نفسه، الذي حاول انتقاد مختلف أشكال العمل ضمن حركة الصراع والاحتجاج التي انخرطت فيها الجماهير الكادحة ولفيف من الحركة السياسية المعارضة، الرجعية والتقدمية، الإصلاحية والثورية..الخ تعذر عنا معرفة موقع الماويين المغاربة في هذا المشهد، فبالرغم من مشاركتهم في حركة 20 فبراير وبالبعض الضئيل من أجهزتها، لم يتجرؤوا ولحد الآن، على تقديم حصيلة هذه المشاركة وإجراء تقييم موضوعي لمشاركتهم ولمشاركة التيارات الثورية الأخرى، بعلاقة مع ما تعرفه الحركة من أخطاء ومنزلقات.. بسبب من تحكم تحالف "النهج والإحسان" في الغالبية الساحقة، إن لم نقل جميع تجارب وتنسيقيات الحركة.
فما زال الغموض يلف العديد من مواقفهم، وما زالت تستهويهم المزايدة أكثر من التحليل والتقدير الموضوعي للمخالفين.. وإلاٌ بماذا سنفسر موقفهم مثلا من القوى السياسية التقدمية فهي لا تريد تصنيفها كقوى وطنية وديمقراطية وتقدمية، وفي نفس الوقت لا تريد تصنيفها على منوال "اليسار الأحمق" الذي اعتدٌها رجعية!!
كذلك الشأن لموقفهم الغامض من الشرعية والعلنية التي يرمون بها حزب "النهج الديمقراطي" وكأنها تهمة أو خطيئة لا تليق بالماركسيين، فالماركسيون يناهضون الموقف السلبي والعدمي من السرية والعلنية من الشرعية واللاشرعية، من النضال السلمي والنضال العنفي.. هكذا تستقيم عملية النقد والتحليل وهكذا يجب على الماركسيين توضيح موقفهم من العمل السياسي والحزب الطبقي الذي ينشدونه.
أما الكلام والتغني بتلك الصيغة المبهمة التي يتم الترويج لها لغرض في نفس يعقوب، عن الأداة الثورية، فليست سوى وسيلة لتسهيل الالتفاف وزرع الغموض حول مهمة تنظيم العمال والعاملات في حزب سياسي مستقل، وفي منظمات نقابية وجمعوية مستقلة، قبل الكلام عن التحالفات والتاكتيكات وتصنيف المخالفين.
وإذا تم التركيز في النقاش على أطروحات الرفاق الماويين، فلأننا 1) لم نفهم ولحدود الآن ماويتهم الغريبة، أو هكذا يبدو، عن الطرح الماوي الكلاسيكي الذي نشاهد بعضا من "بطولاته" في الهند والنيبال.. بالاتجاه نحو البادية وتنظيم الفلاحين في جيش شعبي، معلنا المقاومة المسلحة، وحرب الشعب الطويلة الأمد التي يمكنها تفجير القطارات.. ومتخذا "الجبهة الوطنية المتحدة" كإحدى الوسائل الرئيسية لتحقيق "الثورة الوطنية الديمقراطية الشعبية"
2) وهذه هي المفارقة الغريبة، وهي أن نجد الرفاق الماويين، في غالبية الأحيان، من أقرب التيارات للحركة الماركسية اللينينية في أشكال عملهم واقتراحاتهم وارتباطاتهم الميدانية. في الوقت الذي يتوارى فيه المنتسبون للحملم، إلى الخلف في انتظارية بئيسة لا تتقن سوى ردود الأفعال المتشنجة، والنقد الهدٌام وغير المبدئي، في غالب الأحيان.
3) يتعذر علينا الإطلاع عن أفكار المجموعات الأخرى، ويصعب علينا تقدير أطروحاتها وميدانيتها، أو فهم ما يجمعها أصلا من مواقف وشعارات، كما هو الشأن بالنسبة للمجموعة التي تعتبر نفسها ماركسية لينينية ستالينية، أو المجموعة التي تعتبر نفسها ماركسية لينينية التي تنسق مع الجميع عدا تيارات الحركة الماركسية اللينينية، أو المجموعة الأخرى التي تعادي باسم الماركسية واللينينية الإطارات الجماهيرية، إلاٌ الاتحاد الوطني لطلبة المغرب ولا نعرف سبب لذلك، وتعادي النقابات والمنخرطين فيها وفي الجمعيات الجماهيرية والشبه جماهيرية.. باعتبارها رجعية.
أخيرا، نتمنى أن تكون ملاحظاتنا المتواضعة هذه، بداية وليس إلاٌ، للنقاش الحقيقي الذي تفرضه المرحلة، ومهام وواجبات الصراع الطبقي، النقاش الذي لمٌحنا لبعض مداخله، في هذه المقالة ومقالات أخرى، داعين جميع الرفاق من مختلف التيارات والمجموعات بألاٌ يهملوا هذا الجانب المهم من الخلافات، التي تبدو نظرية مجردة لكن تأثيرها بيٌن على الممارسة، وبالتالي وجب تقديم الرأي فيها وتصحيح ما يشوبها من أخطاء ونواقص، يمكن أن يؤدي تجاهلها لانزلاقات خطيرة قد تعطل مسارنا الوحدوي كاختيار لا رجعة فيه.

انتهى



#وديع_السرغيني (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- معطيات حول ما جرى بمجلس تنسيقية الحركة المناهضة للغلاء
- قبل أي خطوة جبهوية -الجبهة اليسارية- أولا
- تعقيب على ملاحظات الرفيق زروال
- في ذكرى التأسيس لمنظمة -إلى الأمام-
- ذكرى شهيد، تستحق التذكير والاحتفاء
- من أجل تنظيم صفوف الماركسيين اللينينيين المغاربة ومن أجل حزب ...
- حين يبرر ضعاف اليسار إخفاقاتهم
- ملاحظات أولية حول بعض المفاهيم النظرية
- بين التذبذب والانتهازية ولدت جماعة -النهج والإحسان-
- المهرولون يبررون.. والصبٌارون الحقيقيون صامدون --- وديع السر ...
- بين النضال العمال، والنضال التنموي، وجمعيات الأشباح..
- دفاعا عن الحق في الاحتجاج
- على خطى الثورة التونسية ودرب شهداءها الأبرار
- عودة لإعلان -الأماميين الثوريين-
- ملاحظات أولية حول ما جاء في بيان -الأماميين الثوريين-
- في ذكرى التأسيس لمنظمة -إلى الأمام- الماركسية اللينينية
- دعم الشعب الفلسطيني ورهان الإقصاء
- قاعديون وحدويون ، ولكن ...
- أسبوع الإحتجاج بطنجة
- لماذا يخدع تجمع اليسار الديمقراطي الجماهير عبر هيمنته على تن ...


المزيد.....




- ماذا نعرف عن المقترح المصري القطري الذي قبلته -حماس- بشأن وق ...
- وسائل إعلام: توقيف مسؤول أمني أوكراني للاشتباه بتسريبه معلوم ...
- -أوكسفام-: لا مصداقية لادعاءات إسرائيل بإجلاء آمن للمدنيين م ...
- أمير الكويت يزور تركيا لأول مرة بعد توليه مقاليد السلطة
- سويني خلفا لحمزة يوسف في قيادة الحزب الوطني الاسكتلندي
- مراسل RT: الطيران الإسرائيلي يستهدف محيط معبر رفح على الحدود ...
- بعد أيام من اختراق الجيش الألماني.. قراصنة يخترقون وزارة دفا ...
- مصر: لا توجد محاولات نزوح لفلسطينيين لأراضينا من معبر رفح
- مسيرة الفوج الخالد في لبنان
- تركيا تفتتح رسميا كنيسة ومتحف -خورا- البيزنطي كمسجد (صور)


المزيد.....

- عن الجامعة والعنف الطلابي وأسبابه الحقيقية / مصطفى بن صالح
- بناء الأداة الثورية مهمة لا محيد عنها / وديع السرغيني
- غلاء الأسعار: البرجوازيون ينهبون الشعب / المناضل-ة
- دروس مصر2013 و تونس2021 : حول بعض القضايا السياسية / احمد المغربي
- الكتاب الأول - دراسات في الاقتصاد والمجتمع وحالة حقوق الإنسا ... / كاظم حبيب
- ردّا على انتقادات: -حيثما تكون الحريّة أكون-(1) / حمه الهمامي
- برنامجنا : مضمون النضال النقابي الفلاحي بالمغرب / النقابة الوطنية للفلاحين الصغار والمهنيين الغابويين
- المستعمرة المنسية: الصحراء الغربية المحتلة / سعاد الولي
- حول النموذج “التنموي” المزعوم في المغرب / عبدالله الحريف
- قراءة في الوضع السياسي الراهن في تونس / حمة الهمامي


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي - وديع السرغيني - عودة لمسألة التحالفات، وعلاقتها ب-اليسراوية-